المسيح في القران
من الصفات التي ذكرها القرآن عن المسيح أنه: "وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" وقد شرح أئمة المفسرين معنى هذا الوصف باستفاضة، وخرجوا منه بعلو مركز المسيح علوًا عجيبًا، وبأنه في الآخرة تكون له شفاعة في الناس.يسميه القرآن "عيسى"وهذا الاسم يقرب من الكلمة اليونانية "إيسوس أما اسم المسيح في العبرية فهو يسوع ومعناه "مخلص ".
فكرة القرآن عن المسيح
يسميه القرآن "عيسى"، وهذا الاسم يقرب من الكلمة اليونانية "إيسوس" Iycouc، أما اسم المسيح في العبرية فهو يسوع ومعناه "مخلص". عن أن القرآن ذكر اسم المسيح أكثر من عشر مرات. (انظر سورة آل عمران 45؛ سورة النساء 157، 171، 172؛ سورة المائدة 17 [مرتين]، 72 [مرتين]، سورة التوبة 30، 31). وسنحاول أن نورد بعض هذه الأمثلة خلال حديثنا.
واسم المسيح هذا كان موضع دراسة لكبار المفسرين في الإسلام، وقيل في ذلك أنه سمي مسيحًا "لأنه مُسِحَ من الأوزار والآثام". وأورد الإمام الفخر الرازي حديثًا شريفًا قال فيه راويه "سمعت رسول الله يقول: "ما من مولود من آدم إلا ونخسه الشيطان حين يولد فيستهِل صارخًا من نخسه إياه، إلا مريم وابنها".
وكل هذا، وما سيأتي، يدل على المركز الرفيع الذي تمتع به المسيح في القرآن وفي كتب المفسرين، وهو مركز تميز به عن سائر البشر. ومن ذلك:
أ - أنه دُعيَ كلمة الله وروحٌ منه:
وقد تكرر هذا اللقب، فورد في سورة إل عمران 45: "إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ". وورد في سورة النساء 171: "إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ".
وقد أثارت عبارة "كلمة الله" تعليقات لاهوتية كثيرة لا داعي للخوض فيها الآن، وبخاصة لأن تسمية المسيح بكلمة الله يطابق الآية الأولى من الإنجيل ليوحنا الرسول. وكذلك لأن عبارة "الكلمة" وأصلها في اليونانية "اللوجوس"، لها في الفلسفة وفي علوم اللاهوت معان معينة غير معناها في القاموس. وبنفس الوضع عبارة "روح منه" التي حار في معناها كبار الأئمة والمفسرين. وأيًا كانت النتيجة فإن هذين اللقبين يدلان على مركز رفيع للمسيح في القرآن لم يتمتع به غيره.
ب - ولادته المعجزية من عذراء:
لم يقتصر الأمر على كنه المسيح أو طبيعته من حيث هو "كلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم"، وهذا وصف لم يوصَف به أحد من البشر، وإنما الطريقة التي وُلِدَ بها والتي شرحها القرآن في سورة مريم كانت طريقة عجيبة معجزية لم يولد بها أحد غيره من امرأة. زادها غرابة أنه "يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ" (سورة آل عمران 46، الأمر الذي لم يحدث لأحد من قبل ولا من بعد..
جـ - معجزات المسيح العجيبة:
وأخص منها مما ورد في القرآن -غير إبراء الأكمة والأبرص وأحياء الموتى- معجزتين فوق طاقة البشر جميعًا، لم يقم بمثلهما أحد من الأنبياء وهما القدرة على الخلق، وعلى معرفة الغيب. وفي ذلك يقول القرآن على لسان المسيح "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ.. وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (سورة ال عمران 49.
هنا ويقف العقل لكي تتأمل الروح.. لماذا يختص المسيح بهذه المعجزات التي لم يعملها أحد والتي هي عمل الله ذاته: الخلق ومعرفة الغيب!
ومن الأمور الأخرى التي يذكرها القرآن في رفعة المسيح وعلوه:
د - موته ورفعه إلى السماء:
وقد ورد في ذلك: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (سورة آل عمران 55 والمسيحية تؤمن بموت المسيح وصعوده إلى السماء. ولكن القرآن لم يبين كيف رُفِعَ المسيح ومتى حدث ذلك، وبقى الأمر عجبًا..
هـ - صفات المسيح الأخرى:
من الصفات التي ذكرها القرآن عن المسيح أنه: "وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" وقد شرح أئمة المفسرين معنى هذا الوصف باستفاضة، وخرجوا منه بعلو مركز المسيح علوًا عجيبًا، وبأنه في الآخرة تكون له شفاعة في الناس.
مركز العذراء مريم في القرآن
يشرح القرآن في سورة آل عمران أن مريم نذرت للرب وهي في بطن أمها "فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا". وأنها تربَّت في الهيكل تحت رعاية زكريا، وأنها كانت تطعم طعامًا من السماء "كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا. قَالَ: يَا مَرْيَمُ، أَنَّى لَكِ هَذَا؟! قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ".
وعلو مركز العذراء مريم يظهر في قول القرآن عنها "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: يَا مَرْيَمُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ" (سورة آل عمران 42 وهكذا ارتفعت مريم في نظر الإسلام فوق نساء العالمين.
وكانت عذراء عابدة تسجد وتركع مع الراكعين، وكانت تحيا في وحدة وتأمل "انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا، فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا" (سورة مريم 17،16 وقد "نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا" سوره مريم 26 ويمكن الرجوع إلى سوره مريم وسورة آل عمران وغيرهما لمن يريد أن يتوسَّع في معرفة فضائل العذراء مريم وعلو مكانتها، كما يشرح القرآن ذلك..
بعض خلافات غير حقيقية
إن هناك بعض نقاط خلاف موجودة في القرآن يظنها البعض منسوبة إلى المسيحيين، والمسيحيون لا يؤمنون بتلك البدع؛ بل يحاربون أصحابها حيثما وجدوا. وهذه الخلافات تتركز في الآيات القرآنية الآتية:
# النقطة الأولى: خاصة بألوهية العذراء:
وورد في ذلك "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ. قَالَ: سُبْحَانَكَ" (سورة المائدة (116).والمسيحية لم تقل في يوم من الأيام بألوهية العذراء مريم. بل أن مريم نفسها تقول في الإنجيل أنها "أمة الرب" فتأخذ وضعها كعبدة أمام الله. فإن كانت قد قامت بدعة تنادي بتأليه العذراء، فإن المسيحية تحاربها بكل قوة.
كذلك لا يمكن أن تؤمن المسيحية إطلاقًا بوجود إلهين من دون الله حتى لو كان المسيحأ حدهما.. فنحن نؤمن بإله واحد لا سواه. ولعل هذا الموضوع سنتعرض له عندما نعرض النقطة الثالثة الخاصة بالشرك...
# النقطة الثانية: خاصة بوجود صاحبة لله:
وورد في ذلك: "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ" (سورة الأنعام 101
وأيضًا: "وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا" (سورة الجن 3
ليس بين المسيحية والقرآن خلاف في هذا الأمر. فالمسيحية تقول أيضًا أن الله لم يتخذ صاحبة، سبحانه. الله روح مُنَزَّه عن الجسد وأعماله. وبنوة المسيح لله هي بنوة غير جسدية، غير تناسلية. إنها شيء روحي إلهي يتسامى فوق هذا المستوى الجسدي.
فإن ربطنا البدعتين الأولى والثانية: الأولى التي تدعي ألوهية العذراء والثانية التي تدّعي صاحِبة لله، أدركنا سر البدعة الثالثة الخاصة بالشرك بالله.
# النقطة الثالثة: الشرك بالله:
وهي خاصة بالشرك بالله كما لو كان هناك ثالوث مكون من الله وصاحبة وابن أنجبه الله من صاحبة!! وهذا كفر مبين تتنزَّه عنه المسيحية، وليس ثالوث المسيحية من هذا النوع الوثني كما ورد في العبادات المصرية القديمة في قصة إيزيس وأوزوريس وابنهما الإله حورس. إن وجدت بدعة من هذا النوع يحاربها القرآن، فالمسيحية تحاربها أيضًا. ولا يمكن أن تؤمن بمثل هذا الكُفر..
المسيحية لا تؤمن بالشرك بالله، وإنما تؤمن بالتوحيد. ولا تؤمن بثلاثة آلهة، إنما تؤمن بإله واحد لا شريك له. والآيات الدالة على التوحيد في التوراة والإنجيل لا تدخل تحت حصر. إن التوحيد أمر بديهي لا يتناقش فيه اثنين.
فإن قال القرآن في سورة النساء 171: "وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ.. إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ"؛ فإن المسيحية تقول مثل هذا أيضًا. إنها تنكر التعدد والشُرك؛ وتنكر أن يكون لله ولد من صاحبة بتناسل جسدي! وإن قيل في سورة المائدة 73: "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ"، فالمسيحية تقول هذا أيضًا، ليس الله واحدًا من ثلاثة آلهة، لأنه لا يوجد سوى إله واحد لا شريك له. إن الإسلام في كل الآيات إنما يحارب بدعة تحاربها المسيحية أيضًا، وهي ليست من المسيحية في شيء.
أما ثالوث المسيحية فغير هذا كله. نقول فيه "باسم الآب والابن والروح القدس، إله واحد آمين". فالله هو جوهر إلهي أو ذات إلهية، له عقل، وله روح. والثلاثة واحد. كالنار لها ذات هي النار، وتتولد منها حرارة، وينبثق منها نور. والنار بنورها وحرارتها شيء واحد. وكالإنسان ذاته وعقله وروحه كيان واحد.. والبنوة في اللاهوت هي كبنوة الفكر من العقل. العقل يلد فكرًا وليست له صاحبة!
وأخيرًا
فليس معنى كل ما قلناه أن القرآن والمسيحية شيء واحد. كلا، فهناك خلافات جوهرية منها التثليث والتجسد والفداء ولاهوت المسيح وصلبه ومنها ومنها القرآن نفسه.. وأشياء أخرى كثيرة، ولكننا أحببنا هنا أن نتكلم على نقاط التلاقي فقط، لا عن نقط الخلاف...
غير مسموح بالتعليقات التي: * تحتوي على إساءة وطعن بصفة شخصية في الأفراد * تهجم وعدم احترام للقادة والبلاد * ألإساءة للكنائس والتشجيع على التفرقة أو التمييز بين الطوائف * التسويق أو الاتجار أو الإعلانات بأي شكل ****** الرجاء عدم نشر معلوماتك الشخصية في خانة التعليقات ********