لقد كان منظراً فريداً في عيني (نللي يعقوب) أن تري كل ما حولها أبيض ناصع بعد أن كان منذ لحظات قليلة معتماً قذراً، ينطق بما يعيش فيه أهل ذلك الحى من بؤس وفقر وعوز شديد....وما سر ذلك التغيير سوي الجليد الذي أخذ يتساقط من السماء والذى كانت الفتاة الصغيرة ترقبه وهى واقفة علي عتبة بيتها الصغير. وهنا تلاعبت المشاعر المختلفة في نللي...وقفزت إلي ذاكرتها هذه الكلمات, (أبيض من الثلج).وما كان لعقلها الصغير أن يعي سوى هذه العبارات، فلم تكن تذكر متى ولا أين قيلت لها؟...ولكنها تذكرت جدتها العجوز وما كانت ترويه لها من الكتاب المقدس، ولعل هذه العبارة جزء منه.
ما هي إلا لحظات قليلة حتى اشتد الصقيع فاضطرت نللي للصعود إلى الحجرة القذرة المعتمة التي كانت تسكن فيها مع والدها.وكان سواد الحجرة وظلامها ينعكسان في قلوب ساكنيها.لقد ماتت أم نللى منذ وقت بعيد... وانتقلت أيضاً الجدة العجوز إلي راحتها الأبدية في السماء منذ أكثر من سنتين. أما والد نللي فكان خشناً فظاً يقضي نهاره في المصنع وليله في الحانات. وهكذا قضت الصغيرة حياتها وحيدة فريدة، لم يكن هناك من يعطف عليها إلا عم (ناثان) الرجل العجوز الذي يسكن في (بدروم) المنزل المقابل.
المؤلف: د. صبحى وصفى عبد الملك
تم نشر هذا الكتاب بتصريح خاص من جمعية خلاص النفوس.