هل تظاهر بولس باعتناق المسيحية ليحاربها من الداخل؟
ما أكثر الاتهامات التي أثيرت وتثار كل يوم وفي كل اتجاه وبكل وسيلة ضد الإيمان المسيحي، ومن أكثر الاتهامات غرابة القول بأن الرسول بولس أراد هدم المسيحية بإدخال تعاليم وثنية فيها، ويكرر هذا القول كثير من الكتاب. ومثالاً على ذلك ما كتبه د. أحمد شلبي
ما أكثر الاتهامات التي أثيرت وتثار كل يوم وفي كل اتجاه وبكل وسيلة ضد الإيمان المسيحي، ومن أكثر الاتهامات غرابة القول بأن الرسول بولس أراد هدم المسيحية بإدخال تعاليم وثنية فيها، ويكرر هذا القول كثير من الكتاب. ومثالاً على ذلك ما كتبه د. أحمد شلبي: "كون المسيحية ديناً عالمياً كان نقطة التحول في تاريخ هذه الديانة، ولاشك بأن بولس هو أول من قال بعالمية المسيحية وأفاض في شرحها في رسائله... ومن الواضح للذي يقرأ رسائل بولس أن بولس لم يورد دليلاً واحداً ولا كلمة واحدة تنسب إلى عيسى عن عالمية المسيح، وإنما كان تدليله على العالمية من كلامه ومن بنات أفكاره... إن عالمية المسيحية كانت نقطة التحول في تاريخ الديانة. وذلك لأن فتح باب الديانة لجميع العناصر ألزم بولس أن يدخل على ديانته تعليمات أخرى تزيل الهوة بين ديانة بني إسرائيل وأفكار الأمم المختلفة الذين فتح لهم باب المسيحية وبخاصة الوثنيون الأوربيون واليونانيون وأتباع ديانة متراس وغيرهم.. ماذا أراد بولس بالمسيحية؟ لقد أحدث بولس في المسيحية أحداثاً خطيرة: نقلها من ديانة بني إسرائيل إلى ديانة عالمية، نقلها من التوحيد إلى التثليث، قال بألوهية المسيح وألوهية الروح القدس، اخترع قصة الفداء للتكفير عن خطيئة البشر، ألغى المعالم التي نادى بها عيسى نفسه كالختان وعدم أكل لحم الخنزير. وفي كلمة واحدة خلق ديناً جديداً وسلب كلمة المسيحية فوضعها عليه وطمس بذلك المسيحية الحقيقية. لماذا كل هذا؟ وماذا أراد بولس بالمسيحية؟ يرى كثير من الباحثين أن عداوة بولس للمسيحية هي التي دفعته ليتظاهر بالدخول فيها ليستمر في حربها بسلاح جديد، سلاح التهديم من الداخل بإفساد معالمها وطمس مظاهرها ومسخها، فهو قد دخلها في الظاهر ليأخذ من اعتناقه الظاهري لها سلاحاً يطعنها به (المسيحية، د. أحمد شلبي، ط 6، ص 110، 111، 122، 123).
فقرة قصيرة من كتاب مملوء بالهجوم على المسيحية، بها عديد من الأكاذيب، وفي هذه المقالة سوف نوضح باختصار من هو بولس وهل أدخل في المسيحية عقائد لم يتحدث عنها المسيح.
بولس شخص يهودي ولد في طرسوس التي كانت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية، درس الناموس على يد المعلم اليهودي غمالائل. بعد موت المسيح وقيامته بدأ أتباعه في نشر رسالته وأعلنوا أن يسوع هو المسيا المنتظر ابن الله الحي الذي مات فداء عن البشرية جمعاء، ورأى بولس في هذه الدعوة بدعة وهرطقة وتدميراً لديانته، ولذلك بدأ حملة شرسة لاضطهاد المسيحيين، وكان له دور في رجم استفانوس، ولما تشتت المؤمنون بسبب الاضطهاد أراد أن يسترجعهم "اع 7 – 9" وأخذ رسائل من رئيس الكهنة وذهب إلى دمشق، وفي الطريق إلى هناك ظهر له المسيح في مشهد نوراني وجرى حوار كانت نتيجته أنه آمن بالمسيح وبدأ يبشر برسالته للأمم (غير اليهود).
وفيما يلي سنناقش الادعاءات المذكورة:
أولاً: بولس ودخوله في المسيحية:
إن الادعاء بأن بولس دخل المسيحية ليفسدها من الداخل ادعاء كاذب، فبولس الشخص المضطهد العنيد اليهودي المتزمت الذي تتلمذ على يد المعلم غمالائيل ما كان من السهل أن يؤمن بالمسيح بدون إعلان المسيح نفسه له. وعندما ننظر إلى الآلام التي قاساها بعد إيمانه في أثناء عمله الكرازي نرى أنه لا يمكن أن يكون كاذباً أو خادعاً، فالرسول بولس لم يكن متظاهراً بالإيمان بالمسيحية لإفسادها من الداخل بل قد آمن واقتنع ولم يستطع أن يفعل إلا ما قد آمن به، وكان رسول المسيحية العظيم إلى العالم الأممي المعروف في ذلك الوقت.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل اعتناق أي شخص لديانة بعد أن قاومها وحاربها ووقف ضدها بكل إصرار يفسر بأنه قد دخلها ليفسدها من الداخل؟ الإجابة بالطبع لا. إذن لماذا يفسر دخول بولس وحده في الديانة المسيحية بمثل هذا التفسير المتعسف، لقد اقتنع بولس بالعقيدة المسيحية وآمن بها ثم بشر بها وتحمل في سبيلها من الآلام ما لم يتحمله آخر لإيمانه واقتناعه وليس لأي سبب آخر وإلا يصبح من حقنا أن نشك في إيمان أي شخص بأي دين.
ثانياً: بولس وعالمية الدعوة المسيحية
إن المسيحية دعوة عالمية، وقد ظهرت عالمية الدعوة في نبوات العهد القديم، فالمسيح بركة لكل الأمم "غلاطية 3: 13 و14" والمسيح نور للأمم "اشعياء 42: 1 و 6 و7، اشعياء 49: 6" والمسيح هو الذي أخرج الحق للأمم "اشعياء 42: 1 و2" والمسيح هو مخلص الأمم "اشعياء 49: 6" والمسيح هو رب ومعبود كل الشعوب والأمم "دانيال 7: 13 و14".
وقد ظهرت أيضاً عالمية الدعوة في أقوال وتعاليم المسيح نفسه فبعد شفاء غلام قائد المئة الأممي قال المسيح: "إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وغسحق ويعقوب في ملكوت السموات وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية "متى 8: 11 و12" وقال المسيح أيضاً: "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف.. ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتى بتلك أيضاً فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة لراع واحد" (يوحنا 10: 11 و16) وقد كانت أوامر المسيح الختامية قوله لتلاميذه: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" "متى 28: 18" وأيضاً قوله: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس 16: 15).
وقد ظهرت أيضاً عالمية الدعوة في شفاء المسيح للأبرص السامرى "لوقا 17: 11 – 19" وابنة المرأة الكنعانية "متى 15: 21 – 28" وعبد قائد المئة الأممي "متى 8 3 – 5"
وتنفيذاً لوصية المسيح قام تلاميذه وأتباعه بالكرازة للسامريين وللأمم "اعمال 8 : 1 – 25، اعمال 10 و11".
إذن لم يكن بولس هو الذي نقل الدعوة المسيحية من القومية إلى العالمية، وعندما نرجع إلى بداية الكرازة نجد أن أول من بشر الأمم هو بطرس وليس بولس "اعمال 10" والمسيح عندما اختار بولس دعاه أن يذهب إلى الأمم وصار بولس رسول الأمم العظيم تنفيذاً لأوامر المسيح نفسه.
ثالثاً: الرسول بولس وعقيدة الثالوث
إن الرسول بولس الذي تربى في اليهودية ناموسياً متمسكاً بكلمة الله لا يمكن أن يستعير فكره من الديانات الوثنية، ولكنه قدم الحق الكتابي الذي تسلمه من الكتب والكنيسة في إطار فكري ومصطلحات يونانية حتى يفهمها من كتب لهم. وبالنسبة لعقيدة الثالوث فنحن نؤمن بإله واحد، وقد أعلن المسيح ذلك بكل وضوح بقوله: "إن أول الوصايا.. الرب إلهنا رب واحد" "مرقس 12: 29" والرسول بولس الذي يوجه إليه الاتهام هنا بأنه نقل الدعوة المسيحية من الوحدانية إلى التثليث نراه في رسائله يؤكد على الوحدانية فيقول "الله واحد" (رومية 3: 30) "ليس إله آخر إلا واحد" (1كورنثوس 8 :4) "الله واحد" (غلاطية 3: 20 وأيضاً افسس 4: 26، 1تيموثاوس 2: 5).
نحن نؤمن أن الله واحد ووحدانيته جامعة مانعة وليست وحدانية مطلقة أو مجردة، ونؤمن أن الله واحد في ثلاث أقانيم، وهذه العقيدة منذ البدء نراها معلنة في العهد القديم (تكوين 1: 16 و26، تكوين 3: 22، 11: 7، اشعياء 6: 8، اشعياء 48: 16)
وقد أعلنت هذه العقيدة في العهد الجديد:
- في حادثة معمودية المسيح "متى 3: 16، 17"
- وفي حادثة التجلي "متى 17: 5"
- وأكدها المسيح في كلماته الختامية عندما قال لتلاميذه: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 9)
إذن عقيدة الثالوث قد أعلنها الله في العهد القديم ونادى بها المسيح نفسه في العهد الجديد، ولم يكن الرسول بولس هو الذي أدخلها في المسيحية.
رابعاً: الرسول بولس وقصة الفداء
إن موت المسيح كان حقيقة مركزية في فكر الرسول بولس وأهم تفسير لموت المسيح هو "أنه أسلم من أجل خطايانا" (رومية 4: 25) ولم يكن هذا من اختراع بولس بل تسلمه من الكنيسة الأولى، ولذلك فهو يقول: "فإني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب" (1كورنثوس 15 :3)
إن عقيدة موت المسيح الفدائي للتكفير عن خطايا الإنسان لم يدخلها بولس في المسيحية ولكنها خطة الله الأزلية لخلاص الإنسان وهي معلنة وبكل وضوح في كل أسفار الكتاب المقدس وقد أعلنها المسيح نفسه في عبارات واضحة وصريحة، ففي حديثه مع أحد معلمي اليهود "نيقوديوس" قال له: "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يرسل ابنه ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن به قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يوحنا 3: 14 – 18). وفي حديثه مع تلاميذه أعلن لهم: "ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى 20 : 28).
وفي العشاء الأخير قال لتلاميذه: "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا "متى 26 : 29" فهل بعد هذه الإعلانات الواضحة على لسان المسيح نفسه يقال إن بولس هو الذي اخترع قضية الفداء.
خامساً: الرسول بولس وألوهية المسيح
إن عقيدة ألوهية المسيح لم تكن من اختراع أو إضافة الرسول بولس للمسيحية، ولكن قد أعلنها وعلم بها المسيح نفسه ثم تلاميذه ورسله، وبالطبع لن نستطيع في مقالة محدودة مثل هذه أن نتناول هذا الموضوع الهام بالتفصيل، ولذلك نذكر في عبارات موجزة:
لقد أعلن المسيح عن ألوهيته في أقواله وصفاته وأيضاً في أعماله ومعجزاته.
1. أقوال المسيح وصفاته تعلن ألوهيته
- المسيح أعلن أنه أزلي (يوحنا 8: 58)
- المسيح أعلن أنه موجود في كل مكان (متى 18: 20 ، لوقا 3: 13، متى 28: 20).
- المسيح أعلن أنه كلي المعرفة (لوقا 7: 39 و40، متى 9: 4، متى 12: 24، متى 20: 28).
فمن هو الشخص الكائن منذ الأزل والموجود في كل مكان والكلي المعرفة؟ بالطبع هو الله.
2. أعمال المسيح وسلطانه تعلن ألوهيته:
- سلطان غفران الخطايا: لقد أعلن المسيح أنه غافر الخطايا (مرقس 2: 5 – 10، لوقا 7: 48 – 50، لوقا 23: 42 و43) والذي له سلطان غفران الخطايا هو الله وحده.
- سلطان الخلق: (يوحنا 9: 6) والخالق هو الله وحده.
- سلطان الدينونة: لقد أعلن المسيح أنه هو الديان (متى 16: 27، يوحنا 5: 22).
مما سبق نرى أن ألوهية المسيح قد أعلنها المسيح نفسه ولم يدخلها الرسول بولس إلى المسيحية. إذن ما جاء في الفقرة المقتبسة ادعاءات كاذبة ونحن نقدر الرسول بولس ودوره العظيم.
د. فريز صموئيل
جريدة الطريق والحق
http://www.eltareeq.com/tareeq2010/pg_editorpage_id_r.aspx?ArID=268
عزيزي القارئ
المسيحية لم تكن في يوم من الأيام بدعة بولسية
بل هي ذات مصدر إلهي
إفتح عينك لترى الحق الإلهي
إفتح ذهنك لتبصر المصدر الإلهي
لا تتعلق المسيحية ببولس
بل تتعلق بشخص المسيح
المسيح هو مؤسسها وهو بانيها وهو إلهها
ادعوك أن تصلي لله
طالبا غفرانه وعفوه
ساءلاً إياه الهداية
وإذا أردت أي مساعدة
أكتب لنا على العنوان التالي
غير مسموح بالتعليقات التي: * تحتوي على إساءة وطعن بصفة شخصية في الأفراد * تهجم وعدم احترام للقادة والبلاد * ألإساءة للكنائس والتشجيع على التفرقة أو التمييز بين الطوائف * التسويق أو الاتجار أو الإعلانات بأي شكل ****** الرجاء عدم نشر معلوماتك الشخصية في خانة التعليقات ********